الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِيمَا مَضَىتَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {طسم}، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُبِينُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَتَقَوَّلْهُ: وَلَمْ تَتَخَرَّصْهُ.. وَكَانَ قَتَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} يَعْنِي مُبِينٌ وَاللَّهِ بَرَكَتَهُ وَرُشْدَهُ وَهُدَاهُ. وَقَوْلُهُ: (نَتْلُوا عَلَيْكَ) يَقُولُ: نَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَنَقُصُّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ خَبَرِ {مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ}. كَمًّا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يَقُولُ: فِي هَذَا الْقُرْآنِ نَبَؤُهُمْ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يَقُولُ: لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَئِهِمْ فِيهِ نَبَؤُهُمْ، وَتَطْمَئِنُّ نُفُوسُهُمْ، بِأَنَّ سُنَّتَنَا فِيمَنْ خَالَفَكَ وَعَادَاكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُنَّتُنَا فِيمَنْ عَادَى مُوسَى، وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، أَنْ نُهْلِكَهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ، وَنُنْجِيَهُمْ مِنْهُمْ كَمَا أَنْجَيْنَاهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًايَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ تَجَبَّرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَتَكَبَّرَ، وَعَلَا أَهْلَهَا وَقَهَرَهُمْ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ. كَمًّا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} يَقُولُ: تَجَبَّرَ فِي الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} أَيْ: بَغَى فِي الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يَعْنِي بِالشِّيَعِ: الْفِرَقَ، يَقُولُ: وَجَعَلَ أَهْلَهَا فِرَقًا مُتَفَرِّقِينَ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}: أَيْ فِرَقًا يُذَبِّحُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً، وَيُعَذِّبُ طَائِفَةً، وَيَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فِي مَنَامِهِ، أَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوتِ مِصْرَ، فَأَحْرَقَتِ الْقِبْطَ، وَتَرَكَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَحْرَقَتْ بُيُوتَ مِصْرَ، فَدَعَا السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ وَالْقَافَةَ وَالْحَازَةَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ، فَقَالُوا لَهُ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي جَاءَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُ، يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ هَلَاكُ مِصْرَ، فَأَمَرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يُولَدُ لَهُمْ غُلَامٌ إِلَّا ذَبَحُوهُ، وَلَا تُولَدُ لَهُمْ جَارِيَةً إِلَّا تُرِكَتْ، وَقَالَ لِلْقِبْطِ: انْظُرُوا مَمْلُوكِيكُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجًا فَأَدْخِلُوهُمْ، وَاجْعَلُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ يَلُونَ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْقَذِرَةَ، فَجَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَعْمَالِ غِلْمَانِهِمْ، وَأَدْخَلُوا غِلْمَانَهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حِينَ جَعَلَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الْقَذِرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} قَالَ: فَرَّقَ بَيْنَهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} قَالَ: فِرَقًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} قَالَ: الشِّيَعُ: الْفِرَقُ. وَقَوْلُهُ: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} ذُكِرَ أَنَّ اسْتِضْعَافَهُ إِيَّاهَا كَانَ اسْتِعْبَادَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: يَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيُذَبِّحُ طَائِفَةً، وَيَقْتُلُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ بِقَتْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الْقَتْلَ، وَاسْتِعْبَادِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْبَادُهُ، وَتَجَبُّرِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَكَبُّرِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِوَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}. قَوْلُهُ: (وَنُرِيدُ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِرَقًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ (وَ) نَحْنُ {نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ} اسْتَضْعَفَهُمْ فِرْعَوْنُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} قَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ. قَوْلُهُ: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أَيْ: وُلَاةً وَمُلُوكًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أَيْ: وُلَاةَ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ: {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} يَقُولُ: وَنَجْعَلُهُمْ وُرَّاثُ آلِ فِرْعَوْنَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}: أَيْ يَرِثُونَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} يَقُولُ: يَرِثُونَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ. وَقَوْلُهُ: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} يَقُولُ: وَنُوَطِّئُ لَهُمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} كَانُوا قَدْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، فَأَرَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا، مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِ مُوسَى بْنِ عُمْرَانَ نَبِيِّهِ، مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْهُمْ مَنْ هَلَاكِهِمْ وَخَرَابِ مَنَازِلِهِمْ وَدُورِهِمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} شَيْئًا مَا حَذِرَ الْقَوْمُ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ حَازِيًا حَزَا لِعَدُوِّ اللَّهِ فِرْعَوْنَ، فَقَالَ: يُولَدُ فِي هَذَا الْعَامِ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْلُبُكَ مُلْكَكَ، فَتَتَبَّعَ أَبْنَاءَهُمْ ذَلِكَ الْعَامَ، يَقْتُلُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، حَذَرًا مِمَّا قَالَ لَهُ الْحَازِي. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ رَجُلٌ يَنْظُرُ لَهُ وَيُخْبِرُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَاهِنٌ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي هَذَا الْعَامِ غُلَامٌ يَذْهَبُ بِمُلْكِكُمْ، فَكَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ حَذَرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} بِمَعْنَى: وَنُرِيَ نَحْنُ، بِالنُّونِ عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ}. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: “ وَيَرَى فِرْعَوْنُ “ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِفِرْعَوْنَ، بِمَعْنَى: وَيُعَايِنُ فِرْعَوْنُ، بِالْيَاءِ مِنْ يَرَى، وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالْجُنُودِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لِيَرَى مِنْ مُوسَى مَا رَأَى، إِلَّا بِأَنْ يُرِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا رَآهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِيإِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} حِينَ وَلَدَتْ مُوسَى {أَنْ أَرْضِعِيهِ}. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ، فِي مَعْنَى ذَلِكَ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}: قَذَفْنَا فِي قَلْبِهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} وَحْيًا جَاءَهَا مِنَ اللَّهِ، فَقَذَفَ فِي قَلْبِهَا، وَلَيْسَ بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ، أَنْ أَرْضِعِي مُوسَى، {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي}... الْآيَةَ.. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِ مُوسَى} قَالَ: قَذَفَ فِي نَفْسِهَا. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يُذْبَحَ مَنْ وُلِدَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَنَةً، وَيُتْرَكُوا سَنَةً؛ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا حَمَلَتْ بِمُوسَى؛ فَلَمَّا أَرَادَتْ وَضْعَهُ، حَزِنَتْ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْحَالِ الَّتِي أُمِرَتْ أُمُّ مُوسَى أَنْ تُلْقِيَ مُوسَى فِي الْيَمِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ بَعْدَ مِيلَادِهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ حَالَ طَلَبِهِ مِنَ الرِّضَاعِ أَكْثَرَ مِمَّا يَطْلُبُ الصَّبِيُّ بَعْدَ حَالِ سُقُوطِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} قَالَ: إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَصَاحَ، وَابْتَغَى مِنَ الرِّضَاعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (فَأَلْقِيهِ) حِينَئِذٍ (فِي الْيَمِّ) فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقُلْ لَهَا: إِذَا وَلَدْتِيهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، إِنَّمَا قَالَ لَهَا: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} بِذَلِكَ أُمِرَتْ، قَالَ: جَعَلَتْهُ فِي بُسْتَانٍ، فَكَانَتْ تَأْتِيهِ كُلَّ يَوْمٍ فَتُرْضِعُهُ، وَتَأْتِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتُرْضِعُهُ، فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ بَعْدَ وِلَادِهَا إِيَّاهُ، وَبَعْدَ رِضَاعِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا وَضَعَتْهُ أَرْضَعَتْهُ، ثُمَّ دَعَتْ لَهُ نَجَّارًا، فَجَعَلَ لَهُ تَابُوتًا، وَجَعَلَ مِفْتَاحَ التَّابُوتِ مِنْ دَاخِلٍ، وَجَعَلَتْهُ فِيهِ، فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ. وَأَوْلَى قَوْلٍ قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَأُمَّ مُوسَىأَنْ تُرْضِعَهُ، فَإِذَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدْوِ اللَّهِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ خَافَتْهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادِهَا إِيَّاهُ؛ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا فِيهِ، وَلَا خَبَرَ قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا فِطْرَةَ فِي الْعَقْلِ لِبَيَانِ أَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ، فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَالْيَمُّ الَّذِي أُمِرَتْ أَنْ تُلْقِيَهُ فِيهِ هُوَ النِّيلُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} قَالَ: هُوَ الْبَحْرُ، وَهُوَ النِّيلُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ، وَذِكْرُ الرِّوَايَةِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} يَقُولُ: لَا تَخَافِي عَلَى وَلَدِكِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَلَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} قَالَ: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الْبَحْرَ، وَلَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ؛ {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}. وَقَوْلُهُ: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} يَقُولُ: إِنَّا رَادُّو وَلَدِكِ إِلَيْكِ لِلرِّضَاعِ لِتَكُونِي أَنْتِ تُرْضِعِيهِ، وَبَاعِثُوهُ رَسُولًا إِلَى مَنْ تَخَافِينَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَا وَبِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} وَبَاعِثُوهُ رَسُولًا إِلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ، وَجَاعِلُو هَلَاكَهُ، وَنَجَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ عَلَى يَدَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًاإِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فَأَصَابُوهُ وَأَخَذُوهُ؛ وَأَصْلُهُ مِنَ اللُّقَطَةِ، وَهُوَ مَا وُجِدَ ضَالًّا فَأُخِذَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَا وَرَدْتَ عَلَيْهِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَهُ وَلَا إِرَادَةٍ، أَصَبْتُهُ الْتِقَاطًا، وَلَقِيتُ فُلَانًا الْتِقَاطًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: وَمَنْهَـلٍ وَرَدْتُـهُ الْتِقَاطَـا *** لَـمْ أَلْـقَ إِذْ وَرَدْتُـهُ فُرَّاطَـا يَعْنِي فَجْأَةً. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: (آلُ فِرْعَوْنَ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: جِوَارِيامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالتَّابُوتِ يَرْفَعُهُ مَرَّةً وَيَخْفِضُهُ أُخْرَى، حَتَّى أَدْخَلَهُ بَيْنَ أَشْجَارٍ عِنْدَ بَيْتِ فِرْعَوْنَ، فَخَرَجَ جِوَارِيآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَيَغْسِلْنَ، فَوَجَدْنَ التَّابُوتَ، فَأَدْخَلْنَهُ إِلَىآسِيَةَ، وَظَنَنَّ أَنَّ فِيهِ مَالًا فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِآسِيَةُ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا رَحْمَتُهُ فَأَحَبَّتْهُ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ، فَلَمْ تَزَلْآسِيَةُتُكَلِّمُهُ حَتَّى تَرَكَهُ لَهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ هَلَاكُنَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِابْنَةُ فِرْعَوْنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَتْبِنْتُ فِرْعَوْنَ بَرْصَاءَ، فَجَاءَتْ إِلَى النِّيلِ، فَإِذَا التَّابُوتُ فِي النِّيلِ تَخْفُقُهُ الْأَمْوَاجُ، فَأَخَذَتْهُبِنْتُ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا فَتَحَتِ التَّابُوتَ، فَإِذَا هِيَ بِصَبِيٍّ، فَلَمَّا اطَّلَعَتْ فِي وَجْهِهِ بَرِأَتْ مِنَ الْبَرَصِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا الصَّبِيَّ مُبَارَكٌ لَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ بَرِئْتُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: هَذَا مِنْ صِبْيَانِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلُمَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَقَالَتْ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ}. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ أَعْوَانَ فِرْعَوْنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَصْبَحَ فِرْعَوْنُ فِي مَجْلِسٍ لَهُ كَانَ يَجْلِسُهُ عَلَى شَفِيرِ النِّيلِ كُلَّ غَدَاةٍ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ النِّيلُ بِالتَّابُوتِ يَقْذِفُ بِهِ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍامْرَأَتُهُ جَالِسَةٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ فِي الْبَحْرِ، فَأْتُونِي بِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَعْوَانُهُ، حَتَّى جَاءُوا بِهِ، فَفَتَحَ التَّابُوتَ فَإِذَا فِيهِ صَبِيٌّ فِي مَهْدِهِ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ، قَالَتِ امْرَأَتُهُآسِيَةُ: {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}. وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ}. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْآلِ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا. وَقَوْلُهُ: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فَيَقُولُ الْقَائِلُ: لِيَكُونَ مُوسَى لِآلِ فِرْعَوْنَ عَدُوًّا وَحَزَنًا فَالْتَقَطُوهُ، فَيُقَالُ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} قِيلَ: إِنَّهُمْ حِينَ الْتَقَطُوهُ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، بَلْ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرَهُ، وَلَكِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} قَالَ: لِيَكُونَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ عَدُوًّا وَحَزَنًا لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَخَذُوهُ، وَلَكِنَّامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} لِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ لَهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْآخَرِ إِذَا قَرَّعَهُ لِفِعْلٍ كَانَ فَعَلَهُ وَهُوَ يُحْسَبُ مُحْسِنًا فِي فِعْلِهِ، فَأَدَّاهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ إِلَى مَسَاءَةٍ مُنَدِّمًا لَهُ عَلَى فِعْلِهِ: فَعَلْتَ هَذَا لِضُرِّ نَفْسِكَ، وَلِتَضُرَّ بِهِ نَفْسَكَ فَعَلْتَ. وَقَدْ كَانَ الْفَاعِلُ فِي حَالِ فِعْلِهِ ذَلِكَ عِنْدَ نَفْسِهِ يَفْعَلُهُ رَاجِيًا نَفْعَهُ، غَيْرَ أَنَّ الْعَاقِبَةَ جَاءَتْ بِخِلَافِ مَا كَانَ يَرْجُو. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} إِنَّمَا هُوَ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، لِيَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُمْ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ إِيَّاهُ مِنْهُ هَلَاكُهُمْ عَلَى يَدَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {عَدُوًّا وَحَزَنًا} يَقُولُ: يَكُونُ لَهُمْ عَدُوًّا فِي دِينِهِمْ، وَحَزَنًا عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنْهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} عَدُوًّا لَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَحَزَنًا لِمَا يَأْتِيهِمْ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (وَحَزَنًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: “ وَحُزْنًا “ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَسْكِينِ الزَّايِ. وَالْحَزَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ مَصْدَرٌ مِنْ حَزِنْتُ حَزَنًا، وَالْحُزْنُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَسْكِينِ الزَّايِ الِاسْمُ: كَالْعَدَمِ وَالْعُدْمِ، وَنَحْوِهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَالْعُدْمِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا بِرَبِّهِمْ آثِمِينَ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُمْ مُوسَى عَدُوًّا وَحَزَنًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَلَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} لَهُ هَذَا {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} يَا فِرْعَوْنُ؛ فَقُرَّةُ عَيْنٍ مَرْفُوعَةٌ بِمُضْمَرٍ هُوَ هَذَا، أَوْ هُوَ. وَقَوْلُهُ: (لَا تَقْتُلُوهُ) مَسْأَلَةٌ مِنَامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ لِفِرْعَوْنَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا فَكَانَ كَذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَتِامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ، أَمَّا لِي فَلَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا» “. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: اتَّخَذَهُ فِرْعَوْنُ وَلَدًا، ودُعِيَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ فِرْعَوْنَ؛ فَلَمَّا تَحَرَّكَ الْغُلَامُ أَرَتْهُ أُمُّهُآسِيَةُصَبِيًّا، فَبَيْنَمَا هِيَ تُرْقِصُهُ وَتَلْعَبُ بِهِ، إِذْ نَاوَلَتْهُ فِرْعَوْنَ، وَقَالَتْ: خُذْهُ، قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَكِ، لَا لِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ لِي قُرَّةُ عَيْنٍ إِذَنْ؛ لَآمَنَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ أَبَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} تَعْنِي بِذَلِكَ: مُوسَى. حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَحُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَتَتْ بِمُوسَى امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ، فَأَمَّا لِي فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ، لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ “.» وَقَوْلُهُ: {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ذُكِرَ أَنَّامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ حِينَ هَمَّ بِقَتْلِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: حِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْتَقَطَهُ مِنَ الْيَمِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ نَتَفَ مِنْ لِحْيَتِهِ، أَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا كَانَتْ فِي يَدِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: قَالَتْ ذَلِكَ يَوْمَ نَتَفَ لِحْيَتَهُ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ فِرْعَوْنُ بِهِ صَبِيًّا أَخَذَهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَتِهِ فَنَتَفَهَا، قَالَ فِرْعَوْنُ: عَلَيَّ بِالذَّبَّاحِينَ، هُوَ هَذَا! قَالَتْآسِيَةُ {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} إِنَّمَا هُوَ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ، وَإِنَّمَا صَنَعَ هَذَا مِنْ صِبَاهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} قَالَ: أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا حِينَ أَبْصَرَتْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قَالَ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ هَلَكَتَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ، وَفِي زَمَانِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: إِنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قَالَ: آلُ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ لَهُمْ عَدُوٌّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَتِامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ آسِيَةُ: {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يَقُولُ اللَّهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَيْ: بِمَا هُوَ كَائِنٌ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يُشْعِرُونَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ {لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: يَقُولُ: لَا تَدْرِي بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَفِرْعَوْنُ وَآلُهُ لَا يَشْعُرُونَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَلَاكِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبُ قَوْلِهِ: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَقِبَهُ، فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ بَيَانًا عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ عَقِبُهُ أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا عَنْ غَيْرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مِنْهُ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَصْبَحَ مِنْهُ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ذِكْرِ ابْنِهَا مُوسَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: يَقُولُ: لَا تَذْكُرُ إِلَّا مُوسَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ ذِكْرِ مُوسَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا}: أَيْ: لَاغِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ ذِكْرِ مُوسَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى أَنَّ فُؤَادَهَا أَصْبَحَ فَارِغًا مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَوْحَاهُ إِلَيْهَا،، إِذْ أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْيَمِّ فَقَالَ {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} قَالَ: فَحَزِنَتْ وَنَسِيَتْ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهَا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} مِنْ وَحْيِنَا الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} قَالَ: فَارِغًا مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا حِينَ أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَا تَخَافَ وَلَا تَحْزَنَ، قَالَ: فَجَاءَهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ مُوسَى، كَرِهْتِ أَنْ يَقْتُلَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، فَيَكُونَ لَكِ أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ، وَتَوَلَّيْتِ قَتْلَهُ، فَأَلْقَيْتِيهِ فِي الْبَحْرِ وَغَرَّقْتِيهِ، فَقَالَ اللَّهُ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثَنْي الْحَسَنُ، قَالَ: أَصْبَحَ فَارِغًا مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَا إِلَيْهَا، وَالْوَعْدِ الَّذِي وَعَدْنَاهَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهَا ابْنَهَا، فَنَسِيَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُبْدِيَ بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبْطَنَا عَلَى قَلْبِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدْ كَانَتْ أُمُّ مُوسَى تَرْفَعُ لَهُ حِينَ قَذَفَتْهُ فِي الْبَحْرِ، هَلْ تَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ؟ حَتَّى أَتَاهَا الْخَبَرُ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ أَصَابَ الْغَدَاةَ صَبِيًّا فِي النِّيلِ فِي التَّابُوتِ، فَعَرَفَتِ الصِّفَةَ، وَرَأَتْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدَيْ عَدُوِّهِ الَّذِي فَرَّتْ بِهِ مِنْهُ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُهَا فَارِغًا مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهَا فِيهِ، قَدْ أَنْسَاهَا عَظِيمُ الْبَلَاءِ مَا كَانَ مِنَ الْعَهْدِ عِنْدَهَا مِنَ اللَّهِ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: مَعْنَى ذَلِكَ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} مِنَ الْحُزْنِ، لِعِلْمِهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَقْ. قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَمٌ فَرَغَ أَيْ لَا قَوْدَ وَلَا دِيَةَ؛ وَهَذَا قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِخِلَافِهِ قَوْلَ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِيهِ بِالصَّوَابِ؛ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} وَلَوْ كَانَ عَنَى بِذَلِكَ: فَرَاغُ قَلْبِهَا مِنَ الْوَحْيِ، لَمْ يُعَقِّبْ بِقَوْلِهِ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ قَارَبَتْ أَنْ تَبْدِيَ الْوَحْيَ، فَلَمْ تَكَدْ أَنْ تُبْدِيَهُ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا إِيَّاهُ، وَوُلُوعِهَا بِهِ. وَمَحَالٌّ أَنْ تَكُونَ بِهِ وَلِعَةٌ إِلَّا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فَارِغَةَ الْقَلْبِ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهَا. وَأُخْرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهَا أَصْبَحَتْ فَارِغَةَ الْقَلْبِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ فَرَاغَ قَلْبِهَا مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا مَا قَامَتْ حُجَّتُهُ أَنَّ قَلْبَهَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عَبِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: “ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَازِعًا “ مِنَ الْفَزَعِ. وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: (بِهِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى، وَعَلَيْهِ عَادَتْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَسَّانَ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ. قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أَنْ تَقُولَ: يَا ابْنَاهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أَيْ: لَتُبْدِي بِهِ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهَا. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا جَاءَتْ أُمُّهُ أَخَذَ مِنْهَا، يَعْنِي الرِّضَاعَ، فَكَادَتْ أَنْ تَقُولَ: هُوَ ابْنِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بِمَا أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا: أَيْ تَظْفَرُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَادَتْ لَتَقُولَ: يَا بُنَيَّاهُ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عَقِيبُ قَوْلِهِ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} فَلِأَنْ يَكُونَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ إِجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى، لِقُرْبِهِ مِنْهُ، أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْوَحْيِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي} بِمُوسَى فَتَقُولُ: هُوَ ابْنِي. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ صَدْرَهَا ضَاقَ إِذْ نُسِبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَقِيلَ: ابْنُ فِرْعَوْنَ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {لَتُبْدِي بِهِ} لَتُظْهِرُهُ وَتُخْبِرُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ}: لَتُشْعِرُ بِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} قَالَ: لَتُعْلِنُ بِأَمْرِهِ لَوْلَا أَنْ رَبْطَنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ عَصَمْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ بِتَثْبِيتِنَاهَا وَتَوْفِيقِنَاهَا لِلسُّكُوتِ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}: أَيْ بِالْإِيمَانِ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَادَتْ تَقُولُ: هُوَ ابْنِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}. وَقَوْلُهُ: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَصَمْنَاهَا مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ وَقِيلِهِ بِلِسَانِهَا، وَثَبَّتْنَاهَا لِلْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَا إِلَيْهَا {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بِوَعْدِ اللَّهِ، الْمُوقِنِينَ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِفَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَقَالَتْ) أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى حِينَ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ (قُصِّيهِ) يَقُولُ: قَصِّي أَثَرَ مُوسَى، اتْبَعِي أَثَرَهُ، تَقُولُ: قَصَصْتُ آثَارَ الْقَوْمِ: إِذَا اتَّبَعْتَ آثَارَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} قَالَ: اتْبَعِي أَثَرَهُ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (قُصِّيهِ) أَيْ قَصِّي أَثَرَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} قَالَ: اتْبَعِي أَثَرَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أَيِ انْظُرِي مَاذَا يَفْعَلُونَ بِهِ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} يَعْنِي: قَصِّي أَثَرَهُ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أَيْ قَصِّي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا، أَحَيٌّ ابْنِي أَوْ قَدْ أَكَلَتْهُ دَوَابُّ الْبَحْرِ وَحِيتَانُهُ؟ وَنَسِيَتِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا. وَقَوْلُهُ: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَصَّتْ أُخْتُ مُوسَى أَثَرَهُ، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ: يَقُولُ فَبَصُرَتْ بِمُوسَى عَنْ بُعْدٍ لَمْ تَدْنُ مِنْهُ وَلَمْ تُقَرِّبْ، لِئَلَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا مِنْهُ بِسَبِيلٍ، يُقَالُ مِنْهُ: بَصُرْتُ بِهِ وَأَبْصَرْتُهُ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَأَبْصَرْتُ عَنْ جُنُبٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَتَيْـتُ حُرَيْثًـا زَائِـرًا عَـنْ جَنَابَـةٍ *** فَكَـانَ حُـرَيْثُ عَـنْ عَطَـائِي جَاحِدَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: عَنْ جَنَابَةٍ: عَنْ بُعْدٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {عَنْ جُنُبٍ} قَالَ: بُعْدٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (عَنْ جُنُبٍ) قَالَ: عَنْ بُعْدٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ {عَنْ جُنُبٍ} قَالَ: هِيَ عَلَى الْحَدِّ فِي الْأَرْضِ، وَمُوسَى يَجْرِي بِهِ النِّيلُ وَهُمَا مُتَحَاذِيَانِ كَذَلِكَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظْرَةً، وَإِلَى النَّاسِ نَظْرَةً، وَقَدْ جُعِلَ فِي تَابُوتٍ مُقَيَّرٍ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ، وَأَقْفَلَتْهُ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} يَقُولُ: بَصُرَتْ بِهِ وَهِيَ مُحَاذِيَتُهُ لَمْ تَأْتِهِ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} وَالْجَنُبُ: أَنْ يَسْمُوَ بَصَرُ الْإِنْسَانِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ لَا يَشْعُرُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) يَقُولُ: وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ لَا يَشْعُرُونَبِأُخْتِ مُوسَىأَنَّهَا أُخْتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) قَالَ: آلُ فِرْعَوْنَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّهَا أُخْتُهُ، قَالَ: جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أَنَّهَا أُخْتُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أَيْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهَا مِنْهُ بِسَبِيلٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنَعْنَا مُوسَى الْمَرَاضِعَ أَنْ يَرْتَضِعَ مِنْهُنَّ مِنْ قَبْلِ أُمِّهِ، ذَكَرَ أَنَّ أُخْتًا لِمُوسَى هِيَ الَّتِي قَالَتْ لِآلِ فِرْعَوْنَ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَرَادُوا لَهُ الْمُرْضِعَاتِ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ لِيَنْزِلْنَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي الرِّضَاعِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ} أُخْتُهُ {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} فَلَمَّا جَاءَتْ أُمُّهُ أَخَذَ مِنْهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} قَالَ: لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أُمِّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} قَالَ: كَانَ لَا يُؤْتَى بِمُرْضِعٍ فَيَقْبَلُهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} قَالَ: لَا يُرْضِعُ ثَدْيَ امْرَأَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أُمِّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} قَالَ: جُعِلَ لَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ إِلَّا لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا، قَالَ: (فَقَالَتْ) أُخْتُهُ {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: جَمَعُوا الْمَرَاضِعَ حِينَ أَلْقَى اللَّهُ مَحَبَّتَهُمْ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ فَيَقْبَلُ ثَدْيَهَا فَيَرْمِضُهُمْ ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِمُرْضِعٍ بَعْدَ مُرْضِعٍ، فَلَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْهُنَّ (فَقَالَتْ) لَهُمْ أُخْتُهُ حِينَ رَأَتْ مِنْ وَجْدِهِمْ بِهِ، وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ}، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ}: يَضُمُّونَهُ لَكُمْ. وَقَوْلُهُ: (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ذُكِرَ أَنَّهَا أُخِذَتْ، فَقِيلَ: قَدْ عَرَفْتِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا عَنَيْتُ أَنَّهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا قَالَتْ أُخْتُهُ {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أَخَذُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّكِ قَدْ عَرَفْتِ هَذَا الْغُلَامَ، فَدُلِّينَا عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَتْ: مَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ: هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} قَالَ: فَعَلَّقُوهَا حِينَ قَالَتْ: وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، قَالُوا: قَدْ عَرَفَتْهُ، قَالَتْ: إِنَّمَا أَرْدْتُ هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أَيْ لِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَكُمْ، وَحِرْصِكُمْ عَلَى مَسَرَّةِ الْمَلِكِ، قَالُوا: هَاتِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (فَرَدَدْنَا) مُوسَى (إِلَى أُمِّهِ) بَعْدَ أَنِ الْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِتَقَرَّ عَيْنُهَا بِابْنِهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيْهَا سَلِيمًا مِنْ قَتْلِ فِرْعَوْنَ (وَلَا تَحْزَنَ) عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ} الَّذِي وَعَدَهَا إِذْ قَالَ لَهَا {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي}... الْآيَةَ، (حَقٌّ). وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ (لَا يَعْلَمُونَ) وَوَعَدَهَا أَنَّهُ رَادُّهُ إِلَيْهَا وَجَاعِلُهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَمَّا بَلَغَ} مُوسَى {أَشُدَّهُ}، يَعْنِي حَانَ شِدَّةُ بَدَنِهِ وَقُوَاهُ، وَانْتَهَى ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَشُدِّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: (وَاسْتَوَى) يَقُولُ: تَنَاهَيْ شَبَابُهُ، وَتَمَّ خَلْقُهُ وَاسْتَحْكَمَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَبْلَغِ عَدَدِ سِنِي الِاسْتِوَاءِلِلْإِنْسَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَاسْتَوَى) قَالَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: (وَاسْتَوَى) قَالَ: بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قَالَ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} قَالَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَشُدَّهُ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: الْأَشُدُّ: الْجَلَدُ، وَالِاسْتِوَاءُ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَقَوْلُهُ: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} يَعْنِي بِالْحُكْمِ: الْفَهْمَ بِالدِّينِ وَالْمَعْرِفَةَ. كَمًّا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ: الْفِقْهُ وَالْعَقْلُ وَالْعَمَلُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ: الْفِقْهُ وَالْعَمَلُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} آتَاهُ اللَّهُ حُكْمًا وَعِلْمًا: وَفَقْهًا فِي دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ، وَعِلْمًا بِمَا فِي دِينِهِ وَشَرَائِعِهِ وَحُدُودِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا جَزَيْنَا مُوسَى عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّانَا وَإِحْسَانِهِ بِصَبْرِهِ عَلَى أَمْرِنَا، كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ رُسُلِنَا وَعِبَادِنَا، فَصَبَرَ عَلَى أَمْرِنَا وَأَطَاعَنَا، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَافَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَدَخَلَ) مُوسَى (الْمَدِينَةَ) مَدِينَةَ مَنْفَ مِنْ مِصْرَ {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلَةِ، نِصْفَ النَّهَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ دَخَلَ مُوسَى هَذِهِ الْمَدِينَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَهَا مُتَّبِعًا أَثَرَ فِرْعَوْنَ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ وَمُوسَى غَيْرُ شَاهِدٍ؛ فَلَمَّا حَضَرَ عَلِمَ بِرُكُوبِهِ فَرَكِبَ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ، وَأَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ مُوسَى حِينَ كَبُرَ يَرْكَبُ مَرَاكِبَ فِرْعَوْنَ، وَيَلْبَسُ مِثْلَ مَا يَلْبَسُ، وَكَانَ إِنَّمَا يُدْعَى مُوسَى بْنُ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ إِنَّ فِرْعَوْنَ رَكِبَ مَرْكِبًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُوسَى؛ فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى قِيلَ لَهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ رَكِبَ، فَرَكِبَ فِي أَثَرِهِ فَأَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا مَنْفُ، فَدَخَلَهَا نِصْفَ النَّهَارِ، وَقَدْ تَغَلَّقَتْ أَسْوَاقُهَا، وَلَيْسَ فِي طُرُقِهَا أَحَدٌ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ دَخَلَهَا مُسْتَخْفِيًا مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَعَابَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُوسَى أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى، آتَاهُ اللَّهُ حُكْمًا وَعِلْمًا، فَكَانَتْ لَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِيعَةٌ يَسْمَعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَدَّ رَأْيُهُ، وَعُرِفَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، رَأَى فِرَاقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ حَقًّا فِي دِينِهِ، فَتَكَلَّمَ وَعَادَى وَأَنْكَرَ، حَتَّى ذُكِرَ مِنْهُ، وَحَتَّى أَخَافُوهُ وَخَافَهُمْ، حَتَّى كَانَ لَا يَدْخُلُ قَرْيَةَ فِرْعَوْنَ إِلَّا خَائِفًا مُسْتَخْفِيًا، فَدَخَلَهَا يَوْمًا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مَدِينَتِهِ حِينَ عَلَاهُ بِالْعَصَا، فَلَمْ يَدْخُلْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ كَبُرَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا لِذِكْرِ مُوسَى: أَيْ مِنْ بَعْدِ نِسْيَانِهِمْ خَبَرَهُ وَأَمْرَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ: لَيْسَ غَفْلَةٌ مِنْ سَاعَةٍ، وَلَكِنْ غَفْلَةٌ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى وَأَمْرِهِ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِامْرَأَتِهِ: أَخْرِجِيهِ عَنِّي، حِينَ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالْعَصَا، هَذَا الَّذِي قُتِلَتْ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَتْ: هُوَ صَغِيرٌ، وَهُوَ كَذَا، هَاتِ جَمْرًا، فَأُتِيَ بِجَمْرٍ، فَأَخَذَ جَمْرَةً فَطَرَحَهَا فِي فِيهِ فَصَارَتْ عُقْدَةً فِي لِسَانِهِ، فَكَانَتْ تِلْكَ الْعُقْدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} قَالَ: أَخْرِجِيهِ عَنِّي، فَأُخْرِجُ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَبُرَ، فَدَخَلَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي الصِّحَّةِ بِذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا). وَاخْتَلَفُوا فِيالْوَقْتِ الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا}فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ نِصْفَ النَّهَارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} قَالَ: نِصْفَ النَّهَارِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَقُولُونَ فِي الْقَائِلَةِ، قَالَ: وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ: دَخَلَهَا بَعْدَ مَا بَلَغَ أَشُدَّهُ عِنْدَ الْقَائِلَةِ نِصْفَ النَّهَارِ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: دَخَلَ نِصْفَ النَّهَارِ. وَقَوْلُهُ: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} يَقُولُ: هَذَا مِنْ أَهْلِ دِينِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} مِنَ الْقِبْطِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} يَقُولُ: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِ مُوسَى عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ مِنَ الْقِبْطِ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} يَقُولُ: فَلَكَزَهُ وَلَهَزَهِ فِي صَدْرِهِ بِجَمْعِ كَفِّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَسَاءَ مُوسَى مِنْ حَيْثُ أَسَاءَ، وَهُوَ شَدِيدُ الْغَضَبِ شَدِيدُ الْقُوَّةِ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الْقِبْطِ قَدْ تَسَخَّرَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى مُوسَى اسْتَغَاثَ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: خَلِّ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَيْكَ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ نِصْفَ النَّهَارِ خَرَجَ يَنْظُرُ الْخَبَرَ، قَالَ: فَإِذَا ذَاكَ الرَّجُلُ قَدْ أَخَذَهُ آخَرُ فِي مِثْلِ حَدِّهِ؛ قَالَ: فَقَالَ: يَا مُوسَى، قَالَ: فَاشْتَدَّ غَضَبُ مُوسَى، قَالَ: فَأَهْوَى، قَالَ: فَخَافَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ يُرِيدُ، قَالَ: فَقَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}؟ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلَا أُرَاكَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي قَتَلْتَ! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَاتِلُ جَبَّارًا لِفِرْعَوْنَ فَاسْتَغَاثَهُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، اسْتَصْرَخَ بِهِ فَوَجَدَهُ يُقَاتِلُ آخَرَ، فَأَغَاثَهُ، فَقَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ} فَعَرَفُوا أَنَّهُ مُوسَى، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، قَالَ عَثَّامٌ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أَمَّا الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ فَمِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمَّا الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَقِبْطِيٌّ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} يَقُولُ: مِنَ الْقِبْطِ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}. حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُوسَى أَشُدَّهُ، وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَخْلُصُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِظُلْمٍ وَلَا سُخْرَةٍ، حَتَّى امْتَنَعُوا كُلَّ الِامْتِنَاعِ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْآخَرُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحِفْظَهُ لَهُمْ، وَلَا يُعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ مِنْأُمِّ مُوسَى، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَطْلَعَ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَوَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنِيَّ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَرَهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَالْإِسْرَائِيلِيُّ، فَ (قَالَ) مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}... الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} مُسْلِمٌ، وَهَذَا مِنْ أَهْلِ دِينِ فِرْعَوْنَ كَافِرٌ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} وَكَانَ مُوسَى قَدْ أُوتِيَ بَسْطَةً فِي الْخَلْقِ، وَشِدَّةً فِي الْبَطْشِ، فَغَضِبَ بِعَدُوِّهِمَا فَنَازَعَهُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى} وَكْزَةً قَتَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَ {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} قَالَ: مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ مِنْ فَارِسَ مِنْ إِصْطَخْرَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} إِسْرَائِيلِيٌّ {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} قِبْطِيٌّ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا أَيْضًا قَالُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَوَكَزَهُ مُوسَى} قَالَ: بِجَمْعِ كَفِّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَوَكَزَهُ مُوسَى} نَبِيُّ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: قَتَلَهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {فَقَضَى عَلَيْهِ} يَقُولُ: فَفَرَغَ مِنْ قَتْلِهِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا. ذِكْرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ. كَمًّا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} ثُمَّ دَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ. وَقَوْلُهُ: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الْقَتِيلَ: هَذَا الْقَتْلُ مِنْ تَسَبُّبِ الشَّيْطَانِ لِي بِأَنْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبْتُ هَذَا فَهَلَكَ مِنْ ضَرْبَتِي، (إِنَّهُ عَدُوٌّ) يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِابْنِ آدَمَ (مُضِلٌّ) لَهُ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْقَبِيحَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَحْسِينِهِ ذَلِكَ لَهُ (مُبِينٌ) يَعْنِي أَنَّهُ يُبِينُ عَدَاوَتَهُ لَهُمْ قَدِيمًا، وَإِضْلَالَهُ إِيَّاهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ نَدَمِ مُوسَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَهَا، وَتَوْبَتِهِ إِلَيْهِ مِنْهُ وَمَسْأَلَتِهِ غُفْرَانَهُ مِنْ ذَلِكَ {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بِقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي لَمْ تَأْمُرْنِي بِقَتْلِهَا، فَاعْفُ عَنْ ذَنْبِي ذَلِكَ، وَاسْتُرْهُ عَلَيَّ، وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهِ فَتُعَاقِبَنِي عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} قَالَ: بِقَتْلِي مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ، وَلَمْ يُؤْمَرْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عَرَفَ الْمَخْرَجَ، فَقَالَ: {ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}. وَقَوْلُهُ: (فَغَفَرَ لَهُ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَفَا اللَّهُ لِمُوسَى عَنْ ذَنْبِهِ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ بِهِ، {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّاتِرُ عَلَى الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ عَنْهَا، الرَّحِيمُ لِلنَّاسِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ بَعْدَ مَا تَابُوا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى رَبِّ بِإِنْعَامِكَ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ عَنْ قَتْلِ هَذِهِ النَّفْسِ {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِذَلِكَ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: “ فَلَا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ “ كَأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ دَعَا رَبَّهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} فَابْتُلِيَ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} يَقُولُ: فَلَنْ أُعِينَ بَعْدَهَا ظَالِمًا عَلَى فُجْرِهِ، قَالَ: وَقَلَّمَا قَالَهَا رَجُلٌ إِلَّا ابْتُلِيَ، قَالَ: فَابْتُلِيَ كَمَا تَسْمَعُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُفَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَصْبَحَ مُوسَى فِي مَدِينَةِ فِرْعَوْنَ خَائِفًا مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي جَنَاهَا، وَقَتْلِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَهَا أَنْ يُؤْخَذَ فَيُقْتَلَ بِهَا (يَتَرَقَّبُ) يَقُولُ: يَتَرَقَّبُ الْأَخْبَارَ: أَيْ يَنْتَظِرُ مَا الَّذِي يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، مِمَّا هُمْ صَانِعُونَ فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ قَتِيلِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبُغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} قَالَ: خَائِفًا مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ، يَتَرَقَّبُ أَنْ يُؤْخَذَ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} قَالَ: خَائِفًا أَنْ يُؤْخَذَ. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرَأَى مُوسَى لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَوْفٍ مُتَرَقِّبًا الْأَخْبَارَ عَنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْقَتِيلِ، فَإِذَا الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ يُقَاتِلُهُ فِرْعَوْنِيٌّ آخَرُ، فَرَآهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَاسْتَصْرَخَهُ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ. يَقُولُ: فَاسْتَغَاثَهُ أَيْضًا عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الصُّرَاخِ، كَمَا يُقَالُ: قَالَ بَنُو فُلَانٍ: يَا صَبَاحَاهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ مُوسَى لِلْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ، وَقَدْ صَادَفَ مُوسَى نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ قَتْلِهِ بِالْأَمْسِ الْقَتِيلَ، وَهُوَ يَسْتَصْرِخُهُ الْيَوْمَ عَلَى آخَرَ: إِنَّكَ أَيُّهَا الْمُسْتَصْرِخُ لَغَوِيٌّ: يَقُولُ: إِنَّكَ لَذُو غِوَايَةٍ، مُبِينٌ. يَقُولُ: قَدْ تَبَيَّنْتُ غَوَايَتَكَ بِقِتَالِكَ أَمْسِ رَجُلًا وَالْيَوْمَ آخَرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَصْبُغُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ فِرْعَوْنُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَخُذْ لَنَا بِحَقِّنَا وَلَا تُرَخِّصْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، قَالَ: ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ نَقْضِيَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبْتٍ فَاطْلُبُوا ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا، إِذْ مَرَّ مُوسَى مِنَ الْغَدِ، فَرَأَى ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ فِرْعَوْنِيًّا، فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَصَادَفَ مُوسَى وَقَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ بِالْأَمْسِ، وَكَرِهَ الَّذِي رَأَى، فَغَضِبَ مُوسَى، فَمَدَّ يَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ، فَقَالَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ وَالْيَوْمَ (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ)، فَنَظَرَ الْإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى بَعْدَ مَا قَالَ هَذَا، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالْأَمْسِ إِذْ قَتَلَ فِيهِ الْفِرْعَوْنِيَّ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} إِيَّاهُ أَرَادَ، وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ، فَخَافَ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَحَاجَّهُ، فَقَالَ (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ)؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ، فَتَتَارَكَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} قَالَ: الِاسْتِنْصَارُ وَالِاسْتِصْرَاخُ وَاحِدٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يَقُولُ: يَسْتَغِيثُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ مُوسَى الْقَتِيلَ، خَرَجَ فَلَحِقَ بِمَنْزِلِهِ مِنْ مِصْرَ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِشَأْنِهِ، وَقِيلَ: قَتَلَ مُوسَى رَجُلًا حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَأَصْبَحَ مُوسَى غَادِيًا الْغَدَ، وَإِذَا صَاحِبُهُ بِالْأَمْسِ مُعَانِقٌ رَجُلًا آخَرَ مِنْ عَدُوِّهِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} أَمْسِ رَجُلًا وَالْيَوْمَ آخَرُ؟. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ: هُوَ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُ وَلِلْإِسْرَائِيلِيِّ، قَالَ الْإِسْرَائِيلِيُّ لِمُوسَى وَظَنَّ أَنَّهُ إِيَّاهُ يُرِيدُ {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ}: خَافَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ حِينَ قَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}. حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ مُوسَى لِلْإِسْرَائِيلِيِّ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} ثُمَّ أَقْبَلَ لِيَنْصُرَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى مُوسَى قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ لِيَبْطِشَ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُقَاتِلُ الْإِسْرَائِيلِيَّ، (قَالَ) الْإِسْرَائِيلِيُّ، وَفَرِقَ مَنْ مُوسَى أَنْ يَبْطِشَ بِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ الْكَلَامَ: {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} فَتَرَكَهُ مُوسَى. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: نَدِمَ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ الْقَتِيلَ، فَقَالَ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} قَالَ: ثُمَّ اسْتَنْصَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى قِبْطِيٍّ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} فِلْمًا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ، ظَنَّ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّهُ إِيَّاهُ يُرِيدُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}؟. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ “ الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ “ وَهُوَ فِي الْكِتَابِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ-أَنْ مُوسَى لَمَّا أَصْبَحَ، أَصْبَحَ نَادِمًا تَائِبًا، يَوَدُّ أَنْ لَمْ يَبْطِشْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ قَالَ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} فَعَلِمَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنَّ مُوسَى غَيْرُ نَاصِرِهِ؛ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ نَهَاهُ مُوسَى، فَفَرِقَ الْإِسْرَائِيلِيُّ مِنْ مُوسَى، فَقَالَ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ} فَسَعَى بِهَا الْقِبْطِيُّ. وَقَوْلُهُ: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْإِسْرَائِيلِيِّ لِمُوسَى: إِنْ تُرِيدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَبَابِرَةِ: قَتْلُ النُّفُوسِ ظُلْمًا، بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمُوسَى الْإِسْرَائِيلِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مَنْ قَتَلَ نَفْسَيْنِ: مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَهُوَ جَبَّارٌ؛ قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} إِنَّ الْجَبَابِرَةَ هَكَذَا، تَقْتُلُ النَّفْسَ بِغَيْرِ النَّفْسِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} قَالَ: تِلْكَ سِيرَةُ الْجَبَابِرَةِ أَنْ تَقْتُلَ النَّفْسَ بِغَيْرِ النَّفْسِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} يَقُولُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِهَا، مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: (وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) أَيْ: مَا هَكَذَا يَكُونُ الْإِصْلَاحُ.
|